الساعة تقترب من منتصف الليل. تقول لنفسك: «خمس دقائق وأغلق الهاتف». تمتد الخمس إلى ساعة، يتراكم الإرهاق، ويصير النوم أصعب. في الصباح، تبدأ بتمرير سريع «على الطاير»، لكن «الطريق السريع» يبتلع نصف وقتك. علاقاتك أقصر نفَسًا، تركيزك مشتّت، وذهنك معلق على الإشعارات.
هذه ليست مبالغة؛ إنها صورة يومية لطيفٍ يُعرف شعبيًا بـ إدمان الإنترنت «اضطراب الألعاب»—حين يصبح السلوك الرقمي خارج السيطرة، يطغى على الأنشطة الأخرى، ويستمر رغم العواقب. والوعي أول خطوة للتغيير.
ما هو «إدمان الإنترنت»؟
المصطلح الأكاديمي الأقرب هو «الاستخدام الإشكالي للإنترنت» (Problematic Internet Use)، وهو نمط يرتبط بعواقب نفسية وجسدية واجتماعية واضحة. تشير مراجعات منهجية حديثة إلى ارتباطه بقلق واكتئاب واضطرابات نوم وضعف تحصيل، ما يستدعي تقييم عوامل الخطر والحماية لكل شخص.

تنبيه مهم: «اضطراب الألعاب» تحديدًا مُدرج رسميًا في التصنيف الدولي للأمراض ICD-11 من منظمة الصحة العالمية، ويُعرَّف بفقدان السيطرة، وتقديم اللعب على سائر النشاطات، والاستمرار رغم النتائج السلبية. أما «اضطراب ألعاب الإنترنت» فمذكور في DSM-5 كحالة «قيد الدراسة» لتشجيع البحث. هذه النقطة مهمة للفهم والاستدلال العلاجي.
الخلاصة: قد لا يكون «إدمان الإنترنت» تشخيصًا واحدًا رسميًا، لكنه مشكلة سلوكية حقيقية عندما تتوافر أنماط محددة من فقدان التحكم والأذى الوظيفي.
أعراض إدمان الإنترنت: كيف تلتقط العلامات المبكرة؟
الفارق بين «هواية رقمية» و«استخدام إشكالي» هو الأثر. هل يؤثر الاستخدام في نومك، علاقاتك، عملك/دراستك، مزاجك؟
علامات سلوكية:
- استخدام أطول وبكثافة أكبر من المخطط، مع صعوبة «الانفصال».
- فشل محاولات التقليل/التوقف، وإضاعة وقت طويل في التصفّح أو الألعاب أو السوشيال.
- تجاهل مسؤوليات أساسية (مواعيد، دراسة/عمل) أو انسحاب اجتماعي.
علامات نفسية/معرفية:
- رغبة قهرية (Craving) للإمساك بالهاتف/الدخول للشبكات.
- تهيج وقلق عند الانقطاع، تراجع التركيز والذاكرة قصيرة المدى.
- تقلب المزاج، ازدياد الاجترار والمقارنة الاجتماعية.
علامات جسدية:
- اضطراب نوم، صداع/توتر عضلي، ألم أسفل الرقبة/الكتفين، إجهاد عيني.
- نمط حياة أكثر خمولًا، وشهية مضطربة (تناول لاواعٍ أثناء التصفح).
مراجعات علمية تربط «الاستخدام الإشكالي» باضطرابات القلق والاكتئاب ومشاكل الوظائف التنفيذية، خاصة لدى المراهقين والشباب.
لماذا ينشأ إدمان الإنترنت؟ (الأسباب وعوامل الخطر)
المنصات الرقمية مصمّمة لتخطف انتباهنا: مكافآت متغيرة، تمرير لا نهائي، خوارزميات تُغذّي الفضول. يلتقي هذا التصميم بعوامل نفسية واجتماعية وشخصية فيتشكل الاستخدام الإشكالي.
العوامل الشائعة:
- نفسية: قلق/اكتئاب غير معالج، وحدّة حساسية للمكافأة، ضعف مهارات تنظيم الانفعال.
- اجتماعية: عزلة، ضغط أقران، بيئات دراسة/عمل مرهقة، نقص بدائل ممتعة أو داعمة.
- سلوكية/بيئية: غياب حدود رقمية (هاتف في غرفة النوم/إشعارات ليلية)، روتين نوم فوضوي.
- خاصة بالمجال الرقمي: ألعاب تنافسية، منصات اجتماعية كثيفة التحفيز، استعمال هاتفي مفرط. تميّزت الأبحاث بين «سلوكيات محددة» (الألعاب، السوشيال، الإباحة، التسوّق) وكلٍّ منها قد يأخذ نمطًا إشكاليًا بأدوات قياس مختلفة.
التأثيرات على الصحة والعلاقات والتحصيل
- نفسية: ارتفاع أعراض القلق/الاكتئاب، وتراجع احترام الذات (خصوصًا مع المقارنة الاجتماعية).
- معرفية/أكاديمية/وظيفية: تشتت، تسويف، أداء أضعف، وساعات نوم أقل.
- علاقات: تآكل الحميمية وجودة التواصل، صراعات أسرية، تجنّب لقاءات واقعية.
- بدنية: قلة حركة، آلام هيكلية عضلية، اضطراب إيقاع النوم/الساعة البيولوجية.
التشخيص والتقييم: كيف أعرف أنني «تجاوزت الخط»؟
فكّر في ثلاثة أسئلة عملية:
- هل فقدت السيطرة أمام جدولك/قِيَمك؟
- هل تُقدّم الإنترنت على نشاطات أساسية (نوم/علاقات/عمل/دراسة) بصورة متكررة؟
- هل تستمر رغم العواقب السلبية؟
إذا كانت الإجابة «نعم» متكررة، فاطلب تقييمًا مهنيًا. يُستخدم مزيج من المقابلة الإكلينيكية ومقاييس سلوكية (وتُقيَّم اضطرابات مرافقة كقلق/اكتئاب/أرق)، مع مراعاة أن «اضطراب الألعاب» له تعريف تشخيصي رسمي في ICD-11.
علاج إدمان الإنترنت: ما الذي يعمل بالفعل؟
التغيير ينجح عندما نجمع علاجًا سلوكيًا معرفيًا (CBT) مع تعديل بيئة رقمية ودعم أسري/اجتماعي، مع الاعتراف بأن قاعدة الأدلة لا تزال في نمو.

1) العلاج المعرفي السلوكي (CBT)
- يهدف إلى استعادة السيطرة: التعرف إلى المحفّزات، تحدّي المعتقدات («لا أستطيع النوم دون تمرير»)، وبناء بدائل مجزية.
- أظهرت دراسات وتجارب (بينها تدخلات مدرسية منظّمة) تحسنًا ملحوظًا في أعراض الاستخدام الإشكالي خلال 12 شهرًا لدى المراهقين المعرّضين، وإن ظلت نتائج بعض المؤشرات متباينة.
2) العمل الأسري والمدرسي/الوظيفي
- وضع قواعد واضحة للأجهزة (أوقات، أماكن، تبادل قدوة).
- تدريب الوالدين/الشركاء على دعم بدون «مكايدة» أو تمكين للسلوك المشكل.
- تنسيق مع المدرسة/العمل لتعديل الجدول، خصوصًا في حالات الأرق أو تشتّت الانتباه.
3) ضبط العادات الرقمية (Digital Hygiene)
- حدود تقنية: كتم إشعارات غير الضروري، مؤقّتات للتطبيقات، وضع «عدم الإزعاج».
- هندسة بيئة: الهاتف خارج غرفة النوم، سطح مكتب نظيف، حذف/إخفاء تطبيقات مُلهية.
- روتين بديل: نشاط بدني يومي 20–30 دقيقة، هوايات واقعية قصيرة (قراءة/آلة موسيقية/رسم).
4) ماذا عن الأدوية؟
لا توجد أدوية معتمدة خصيصًا لـ«إدمان الإنترنت». التركيز يكون على علاج الاضطرابات المصاحبة (قلق/اكتئاب/أرق). تُشير مراجعات حديثة إلى حاجة مزيد من الأبحاث حول فعالية العلاجات المتنوعة وتفريق الأنماط الفرعية (ألعاب/سوشيال/هاتف).
خطتك يجب أن تُفصّل حسب سلوكك الغالب (لعب — تواصل اجتماعي — هاتف ذكي)، مع قياس تقدّم أسبوعي.
برنامج عملي من 14 يومًا للتخلّص التدريجي من فرط الاستخدام
الهدف ليس «قطعًا مفاجئًا» بل استعادة القيادة.
الأسبوع 1 — الاستعادة السريعة:
- يوم 1–2: تتبّع الواقع (أداة وقت الشاشة/Screen Time) + تحديد أعلى 3 تطبيقات مستنزِفة.
- يوم 3: قاعدة غرفة النوم بلا هاتف + منبّه تقليدي.
- يوم 4–5: نافذتا استخدام اجتماعي ثابتتان (مثل 30 د صباحًا و30 د مساءً).
- يوم 6: ساعة خاملة يومية بلا شاشات (مشي/قراءة/مجالسة أسرة).
- يوم 7: مراجعة أسبوعية: ما الذي نجح؟ أين تعثّرت؟ عدّل الحدود.
الأسبوع 2 — التثبيت والتوسيع:
- يوم 8–9: تطبيق تقنية بومودورو للتركيز (25 د عمل + 5 راحة) بلا هاتف على المكتب.
- يوم 10: إلغاء متابعة/كتم مصادر تشتيت عالية/محتوى يستفز المقارنة.
- يوم 11–12: بدائل مساء: استرخاء عضلي + دوش دافئ + كتاب بدل تمرير.
- يوم 13: لقاء واقعي مع صديق/العائلة دون هواتف على الطاولة.
- يوم 14: تقييم شامل وتثبيت الحدود الناجحة لشهر قادم.
للمراهقين، تُظهر البرامج المدرسية القائمة على مهارات «الاستخدام الصحي للتقنية» وCBT نتائج واعدة، وإن كانت الأبحاث ما تزال تتوسع.
«استرجِع وقتك وصفاءك الذهني» — برنامج مخصص مع ونيس
لا تحتاج حظرًا كاملًا للإنترنت؛ تحتاج خطة تمنحك السيطرة بدل السيطرة عليك. في ونيس للطب النفسي نوفّر لك:
- تقييمًا دقيقًا لنمط إدمان الإنترنت لديك (ألعاب/سوشيال/هاتف) وتأثيره على نومك وعلاقاتك.
- بروتوكول CBT مُبسّط مع واجبات أسبوعية وقياس تقدّم واضح.
- تدريبًا على «الهندسة الرقمية» (حدود تقنية + بيئة عمل/نوم داعمة).
- تنسيقًا أسريًا/مدرسيًا عند الحاجة—وجلسات أونلاين سرّية من أي مكان.
ابدأ اليوم بخطوة صغيرة تُعيدك لمقعد القيادة.
الأسئلة الشائعة عن إدمان الإنترنت

1) ما هي أعراض إدمان الإنترنت؟
فقدان السيطرة على المدة والوتيرة، رغبة قهرية، تجاهل مسؤوليات أساسية، استمرار رغم العواقب (سوء النوم/تراجع التحصيل/توتر العلاقات)، وأعراض انفعالية عند الانقطاع. ترتبط الأعراض بقلق واكتئاب واضطراب نوم وفق مراجعات حديثة.
2) كيف يؤثر إدمان الإنترنت على الصحة النفسية؟
يرتبط بالاكتئاب والقلق وتراجع الوظائف التنفيذية والانتباه، خاصة لدى المراهقين، مع تباين في شدة التأثير بحسب السلوك الرقمي الغالب.
3) هل «إدمان الإنترنت» مرض رسمي؟
اضطراب الألعاب مُعترف به في ICD-11، و«اضطراب ألعاب الإنترنت» قيد الدراسة في DSM-5. أما «إدمان الإنترنت» كمصطلح شامل فهو إطار بحثي/سريري مفيد لتخطيط العلاج رغم تفاوت التعاريف.
4) ما أفضل طرق علاج إدمان الإنترنت؟
العلاج المعرفي السلوكي (CBT) + تعديل البيئة الرقمية + دعم أسري ومدرسي، مع متابعة أسبوعية وقياس تقدّم. توجد دلائل واعدة على فعالية البرامج المدرسية/السلوكية الممتدة 12 شهرًا، مع حاجة لأبحاث إضافية.
5) من الأكثر عرضة لإدمان الإنترنت؟
المراهقون والشباب أكثر تعرضًا بسبب الحساسية للمكافآت الرقمية والبيئات التعليمية/الاجتماعية المحفّزة، مع ملاحظة تباين كبير بين الأفراد والسلوكيات (هواتف/سوشيال/ألعاب).
لن تُقاس حياتك بعدد ساعات الشاشة، بل بقدرتك على اختيار ما يهمّك. حين تسمّي المشكلة وتحدّد المحفّزات وتضع حدودًا ذكية، تجد أن «الوقت» عاد لك. ليس المطلوب قطيعة مع العالم الرقمي، بل علاقة صحية متوازنة. ومع خطة علاجية قابلة للتنفيذ ودعم مهني رحيم، ستكتشف أن دقائق الصباح الهادئة، ونومًا أعمق، وحديثًا وجاهيًا أطول—كلها ممكنة بدءًا من اليوم.
المراجع الطبية
- منظمة الصحة العالمية — تعريف «اضطراب الألعاب» في ICD-11: يوضح معايير فقدان السيطرة وتقديم الألعاب على النشاطات الأخرى. منظمة الصحة العالمية
- منظمة الصحة العالمية — أسئلة وأجوبة حول «اضطراب الألعاب»: خلفية إدراج الاضطراب في ICD-11 وأساس الأدلة. منظمة الصحة العالمية
- الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA) — صفحة «Internet Gaming»: وضع «اضطراب ألعاب الإنترنت» في DSM-5 والتفريق المفاهيمي. psychiatry.org
- ملف APA (PDF) — Internet Gaming Disorder في DSM-5 (قسم قيد الدراسة). psychiatry.org
- NCBI/PMC — مراجعة منهجية: «الاستخدام الإشكالي للإنترنت والصمود النفسي» (2023): الارتباطات بالصحة العقلية وعوامل الخطر/الحماية. PMC
- NCBI/PMC — ارتباطات «الاستخدام الإشكالي» بالصحة النفسية (2023): نظرة حديثة على الروابط مع القلق والاكتئاب. PMC
- PubMed — مراجعة منهجية: «الاستخدام الإشكالي للهواتف الذكية والسوشيال…» (2023): تمايز السلوكيات والأدوات وانتشارها. PubMed
- JAMA Network Open (2022) — تجربة عنقودية (PROTECT) للحد من أعراض الاضطراب المرتبط بالألعاب/الاستخدام غير المحدد. جاما
- BMC Psychiatry (2023) — فعالية تدخلات علاج «إدمان الإنترنت»: استنتاجات حول الحاجة لمزيد من الأدلة وتخصيص العلاج.